فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {إن كنتم صادقين}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



و{يومئذ} متعلق بـ {أقرب} ومذا {منهم} ومن هذه هي الجارةُ للمفضول بعد أفعل وليست هي المعدية لأصل الفعل.
وإذ مضافةٌ لجملةٍ محذوفةٍ، عُوِّضَ منها التنوين، وتقدير هذه الجملة: هم للكفر يوم إذ قالوا: لو نَعْلَم قتالًا لاتبعناكم.
وقيل: المعنى على حذف مضاف، أي: هم لأهل الكفر أقرب منهم لأهل الإيمان، وفُضِّلُوا- هنا- على أنفسهم باعتبار حالين ووقتين، ولولا ذلك لم يَجُزْ، تقول: زيدٌ قاعدًا أفضل منه قائمًا، أو زيد قاعدًا اليوم أفضل منه قاعدًا غدًا. ولو قلت: زيد اليوم قاعدًا أفضل منه اليوم قاعدًا. لم يَجُزْ.
وحكى النقاش- عن بعض المفسّرين- أن {أقرب}- هنا- ليست من معنى القُرب- الذي هو ضد البُعْدِ- وإنما هي من القَرَب- بفتح القاف والراء- وهو طلبُ الماءِ، ومنه قارب الماء، وليلةُ القُرْب: ليلة الورود، فالمعنى: هم أطلب للكفر، وعلى هذا تتعين التعدية باللام- على حَدِّ قولك: زيد أضربُ لعمرو.
قوله: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم} في هذه الجملة وجهانِ:
أحدهما: أنها مستأنفةٌ، لا محلَّ لها من الإعرابِ.
الثاني: أنها في محل نَصْب على الحال من الضمير في {أقرب} أي: قربوا للكفر قائلين هذه المقالة- وقوله: {بِأَفْوَاهِهِم} قيل: تأكيد، كقوله: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38]. والظاهرُ أن القولَ يُطْلق على اللساني والنفساني، فتقييده بقوله: {بِأَفْوَاهِهِم} تقييد لأحد مُحْتَمَلَيْه، اللهم إلا أن يُقَال: إن إطلاقه على النفسانيّ مجاز، قال الزمخشري: وذكر الأفواه مع القلوب؛ تصويرًا لنفاقهم، وأن إيمانهم موجود في أفواههم، معدوم في قلوبهم.
وبهذا- الذي قاله الزمخشريُّ- ينتفي كونُه للتأكيد؛ لتحصيله هذه الفائدة- ومعنى الآية: أن لسانهم مُخَالِفٌ لقلوبهم، فهم وإن كانوا يُظْهرون الإيمان باللسانِ، لكنهم يُضْمِرون في قلوبهم الكُفْرَ. اهـ. بتصرف.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} وفي سورة الفتح: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم}، للسائل أن يسأل فيقول: إن مقصود الآيتين قد اتحد لأن حاصله التعريف بأن كلا من المذكورين في الآيتين أظهر خلاف ما أبطن فلم قيل في الأولى {بأفواههم} وفى الثانية {بألسنتهم} مع اتحاد المعنى؟
والجواب عن ذلك والله أعلم أن قوله في الأولى {بأفواههم} ينبئ عن مبالغة واستحكام وتمكن في اعتقاد أو قصد لا يحصل من قوله: {بألسنتهم} ألا ترى قولهم: تكلم بملء فيه حين يريدون المبالغة وقال تعالى: {اليوم نختم على أفواههم} والمراد المبالغة في منعهم من الكلام وإذا ختم على الأفواه امتنعت الألسنة عن النطق وكان أحكم في المنع ولما كان المراد بالآية الأولى الأخبار عن المنافقين كعبد الله بن أبى وأصحابه ممن استحكم نفاقه وتقرر فقال يوم أحد ما حكى الله تعالى من قولهم في المخالفين لهم من الأنصار ممن أكرمه الله بالشهادة في ذلك اليوم: {لو أطاعونا ما قتلوا} إلى ما قالوه من هذا ثم وروا عنه بقولهم لصالحى المؤمنين: {لو نعلم قتالا لاتبعناكم} فأخبر تعالى عنهم بما أكنوه من الكفر فقال تعالى: {هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} فناسب الإبلاغ في قوله تعالى: {بأفواههم} ما انطووا عليه واستحكم في قلوبهم من الكفر وأما آية الفتح فإخبار عن أعراب ممن قال تعالى فيهم: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} وهؤلاء لم يستقر نفاقهم كالآخرين وإنما أخل بهم قرب عهدهم بالكفر وإن لم يتقرر الإيمان في قلوبهم لكن لا عن نفاق كنفاق الآخرين قال تعالى مخبرا عن هؤلاء الأعراب: {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا} فعن هؤلاء قال تعالى: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم}، فعبر بالألسنة إشعارا بأن حال هؤلاء ليس كحال المنافقين المقصودين في آية آل عمران. فلاختلاف الطائفتين اختلفت العبارة عما صدر منهم وورد كل على ما يناسب ولم يكن عكس الوارد ليناسب والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآيتين:

قال عليه الرحمة:
{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ الله وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَالله أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)}.
هوَّن على المؤمنين وأصحاب البصائر ما لقوا من عظيم الفتنة يوم أُحُد، بأن قال إن ذلك أجمع كان بإذن الله، وإنَّ بلاءً يصيب بإذن الله لِمَن العسلِ أحلى، ومِنْ كل نعيم أشهى. ثم أخبر أن الذين لم يكن لهم في الصحبة خلوص كيف تعللوا وكيف تكاسلوا:
وكذا المَلُولُ إذا أراد قطيعةً ** ملَّ الوصال وقال كان وكانا

قوله تعالى: {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} فلا جَرَم (سَقَوْا العَسَل ودَسُّوا له فيه الحنظل)، ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَوِ ادْفَعُواْ}.
وقوله: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ} أي يجعلهم يظهرون وينكشفون أمام الناس، وإلا لو لم تحدث هذه الأحداث فكيف كنت تعرف المنافق؟ سيستر نفسه. لابد إذن أن تأتي أحداث لتظهره وتفضحه، فالمنافق يراوغ؛ لذلك يأتيه الحق بأحداث ليظهر على حقيقته، وقد كان.
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَوِ ادْفَعُوا}.. وكانت المدينة مهاجمة، وإذا انتصر الكفار فسيدخلون ويسْبون ويأخذون المسلمين أسرى ويفعلون كل منكر!! فقال عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري للمنافقين: اخرجوا وقاتلوا معنا، وإن لم تخرجوا لتقاتلوا معنا.. اخرجوا لتدفعوا عن أنفسكم وعن أموالكم وعن نسائكم؛ لأنهم إذا انتصروا على المسلمين فسيدخلون ويفعلون كذا وكذا، أنه دعاهم إلى القتال على طريق إثارة الحمية والأنفة فيهم وذلك بعد أن يئس من أنهم لم يقاتلوا في سبيل الله، ولما رأى إصرارهم على عدم الخروج قال لهم عبد الله: اذهبوا أعداء الله فسيغني الله رسوله عنكم.
إذن ففيه فرق بين القتال في سبيل الله وبين الدفاع عن النفس فقال: {قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَوِ ادْفَعُوا}.. أو ادفعوا عنا ولو بتكثير سوادنا وإظهار كثرتنا حتى يظن المشركون أن معنا أناسا كثيرين.
{قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاَّتَّبَعْنَاكُمْ}.. وعندما نتابع هذا المنطق في القصة في ذاتها نجد أن ابن أُبَيّ كان من رأيه أن يظل رسول الله في المدينة لماذا؟ لأنه قد ثبت بالتجربة أنه إذا جاء قوم ليغيروا على المدينة ودخلوها فأهل المدينة ينتصرون عليهم، وإذا خرج لهم أهل المدينة فهم ينهزمون.
إذن فالقضية واضحة في ذهن ابن أُبَيّْ، فهو لم يرض أن يخرج لأن التجارب أثبتت له أنهم إذا خرجوا عن المدينة ليحاربوا العدو فعدوهم ينتصر عليهم، وإذا ظلوا انتصروا، إذن فهو واثق من نتيجة الخروج، ولكن ما دامت المسألة قد صدرت من رأس النفاق عبد الله بن أبيّ فأنت لا تستطيع أن تحكم أين الحق، فمن الجائز أن آثار يوم هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة هذه الآثار كانت باقية في نفس ابن أبيّ ففي ذلك اليوم الذي جاء فيه الرسول إلى المدينة كان هو اليوم الذي كان سيتوج فيه المنافق ابن أُبَيّْ ليكون ملكًا على المدينة، فلما جاء الرسول بهذا الحدث الكبير تغير الوضع وصار التاج من غير رأس تلبسه، فهذه قد حملها في نفسه.
{قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاَّتَّبَعْنَاكُمْ} لقد ادّعى ابن أبيّ أن الخروج من المدينة هو كإلقائه إلى التهلكة وليس قتالًا؛ لأن القتال تدخله وعندك مظنة أن تنتصر، إنما هذا إلقاء إلى تهلكة وليس قتالًا، لكن أقال: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاَّتَّبَعْنَاكُمْ} وهو صادق؟
إن الحق يفضحهم: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ}، فقبل ذلك كانوا في نفاق مستور، وما دام النفاق مستورًا فاللسان يقول والقلب ينكر ويجحد، فهم مذبذبون بين ذلك؛ لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، هذه المسألة جعلته قريبا من الكفر الظاهر.
{يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}.. إذن فالقلب عمله النية الإيمانية، واللسان قد يقول ولا يفعل ما يقول، ولذلك قلنا: إن المنافق موزع النفس، موزع الملكات، يقول بلسانه كلاما وقلبه فيه إنكار، ولذلك سيكونون في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم غشاشون، ونفوسهم موزعة.
{يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} والقول ضروري بالفم؛ لأن القول يُطلق ويراد به البيان عما في النفس، فتوضيح الإنسان لما في نفسه كتابة، يعتبر قولًا- لغة- ولذلك فالذي يستحي من واحد أن يقول له كلاما فهو يكتبه له في ورقة، فساعة يكتب يكون قد قال، وهؤلاء المنافقون يقولون كلماتهم لا بوساطة كتاب بل بوساطة أفواههم، وهذا تبجح في النفاق، فلو كانوا يستحون لهمسوا به: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} إذن فاللسان لم يتفق مع القلب. فالقلب منعقد ومصر على الكفر- والعياذ بالله- واللسان يتبجح ويعلن الإيمان.
ونعرف أن الصدق هو أن يوافق القول الواقع، والواقع في القضية الإيمانية نية في القلب وحركة تُثبت الإيمان، أما المنافقون فلسانهم لا يوافق قلبهم، فلما كان ما في القلب مستورا ثم ظهر إلى الجوارح انكشفوا. وهذا هو السبب في أنهم كانوا أقرب إلى الكفر، {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} وهذا لون من نقص التصوير الإيماني في القلب، كأنهم يعاملون الله كما يعاملون البشر مثلهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (168):

قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما حكى عنهم ما لا يقوله ذو إيمان أتبعه ما لا يتخيله ذو مروة ولا عرفان فقال مبينًا للذين نافقوا: {الذين قالوا لإخوانهم} أي لأجل إخوانهم والحال أنهم قد أسلموهم {وقعدوا} أي عنهم خذلانًا لهم {لو أطاعونا} أي في الرجوع {ما قتلوا} ولما كان هذا موجبًا للغضب أشار إليه بإعراضه في قوله: {قل} أي لهؤلاء الأجانب الذين هم بمنزلة الغيبة عن حضرتي لما تسبب عن قولهم هذا من ادعاء القدرة على دفع الموت {فادرءوا} أي ادفعوا بعز ومنعة وميّلوا {عن أنفسكم الموت} أي حتى لا يصل إليكم أصلًا {إن كنتم صادقين} أي في أن الموت يغني منه حذر.
فقد انتظم الكلام بما قبل الجملة الواعظة أتم انتظام على أنه قد لاح لك أن ملائمة الجمل الواعظة لما قبلها وما بعدها ليس بدون ملاءمة ما قبلها من صلب القصة لما بعدها منه. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتبعناكم} [آل عمران: 167] وصفهم الله تعالى بأنهم كما قعدوا واحتجوا لقعودهم، فكذلك ثبطوا غيرهم واحتجوا لذلك، فحكى الله تعالى عنهم أنهم قالوا لإخوانهم إن الخارجين لو أطاعونا ما قتلوا، فخوفوا من مراده موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في محاربة الكفار بالقتل لما عرفوا ما جرى يوم أحد من الكفار على المسلمين من القتل، لأن المعلوم من الطباع محبة الحياة فكان وقوع هذه الشبهة في القلوب يجري مجرى ما يورده الشيطان من الوسواس. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قال المفسرون: المراد بـ {الذين قَالُواْ} عبد الله بن أبي وأصحابه، وقال الأصم: هذا لا يجوز لأن عبد الله بن أبي خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد يوم أحد، وهذا القول فهو واقع فيمن قد تخلف لأنه قال: {الذين قَالُواْ لإخوانهم وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا} أي في القعود ما قتلوا فهو كلام متأخر عن الجهاد، قاله لمن خرج إلى الجهاد ولمن هو قوي النية في ذلك ليجعله شبهة فيما بعده صارفًا لهم عن الجهاد. اهـ.

.قال الألوسي:

قوله تعالى: {لَوْ أَطَاعُونَا} أي في ترك القتال {مَا قُتِلُوا} كما لم نقتل وفيه إيذان بأنهم أمروهم بالانخذال حين انخذلوا، ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن جرير عن السدي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف رجل وقد وعدهم الفتح إن صبروا فلما خرجوا رجع عبد الله بن أبيّ في ثلثمائة فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم فلما غلبوه وقالوا له: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتبعناكم} [آل عمران: 167] قالوا له: ولئن أطعتنا لترجعن معنا فذكر الله تعالى نعي قولهم لئن أطعتنا لترجعن معنا بقوله سبحانه: {الذين قَالُواْ} الخ، وبعضهم حمل القعود على ما استصوبه ابن أبيّ عند المشاورة من المقاومة بالمدينة ابتداءًا وجعل الإطاعة عبارة عن قبول رأيه والعمل به ولا يخلو عن شيء بل قال مولانا شيخ الإسلام: يرده كون الجملة حالية فإنها لتعيين ما فيه العصيان والمخالفة مع أن ابن أبيّ ليس من القاعدين فيها بذلك المعنى على أن تخصيص عدم الطاعة بإخوانهم ينادي باختصاص الأمر أيضا بهم فيستحيل أن يحمل على ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم عند المشاورة. اهـ.

.قال الفخر:

قال الواحدي: الواو في قوله: {وَقَعَدُواْ} للحال ومعنى هذا القعود القعود عن الجهاد يعني من قتل بأحد لو قعدوا كما قعدنا وفعلوا كما فعلنا لسلموا ولم يقتلوا، ثم أجاب الله عن ذلك بقوله: {قل فادرؤا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين}.
فإن قيل: ما وجه الاستدلال بذلك مع أن الفرق ظاهر فإن التحرز عن القتل ممكن، أما التحرز عن الموت فهو غير ممكن ألبتة؟
والجواب: هذا الدليل الذي ذكره الله تعالى لا يتمشى إلا إذا اعترفنا بالقضاء والقدر، وذلك لأنا إذا قلنا لا يدخل الشيء في الوجود إلا بقضاء الله وقدره، اعترفنا بأن الكافر لا يقتل المسلم إلا بقضاء الله، وحينئذ لا يبقى بين القتل وبين الموت فرق، فيصح الاستدلال.
أما إذا قلنا بأن فعل العبد ليس بتقدير الله وقضائه، كان الفرق بين الموت والقتل ظاهرًا من الوجه الذي ذكرتم، فتفضي إلى فساد الدليل الذي ذكره الله تعالى، ومعلوم أن المفضي إلى ذلك يكون باطلا، فثبت أن هذه الآية دالة على أن الكل بقضاء الله. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {إن كنتم صادقين}:

.قال الفخر:

وقوله: {إن كنتم صادقين} يعني: إن كنتم صادقين في كونكم مشتغلين بالحذر عن المكاره، والوصول إلى المطالب. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ} أي فادفعوا عنها ذلك وهو جواب لشرط قد حذف لدلالة قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ صادقين} عليه كما أنه شرط حذف جوابه لدلالة {فَادْرَءوا} عليه، ومن جوز تقدم الجواب لم يحتج لما ذكر؛ ومتعلق الصدق هو ما تضمنه قولهم من أن سبب نجاتهم القعود عن القتال، والمراد أن ما ادعيتموه سبب النجاة ليس بمستقيم ولو فرض استقامته فليس بمفيد، أما الأول: فلأن أسباب النجاة كثيرة غايته أن القعود والنجاة وجدا معًا وهو لا يدل على السببية، وأما الثاني: فلأن المهروب عنه بالذات هو الموت الذي القتل أحد أسبابه فإن صح ما ذكرتم فادفعوا سائر أسبابه فإن أسباب الموت في إمكان المدافعة بالحيل وامتناعها سواء، وأنفسكم أعز عليكم وأمرها أهمّ لديكم، وقيل: متعلق الصدق ما صرح به من قولهم: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} والمعنى أنهم لو أطاعوكم وقعدوا لقتلوا قاعدين كما قتلوا مقاتلين، وحينئذ يكون {فَادْرَءوا} الخ استهزاءًا بهم أي إن كنتم رجالًا دفاعين لأسباب الموت فادرءوا جميع أسبابه حتى لا تموتوا كما درأتم بزعمكم هذا السبب الخاص، وفي الكشاف روي أنه مات يوم قالوا هذه المقالة منهم سبعون منافقًا بعدد من قتل بأحد. اهـ.